حكم من زنت بعد العقد وقبل الدخول

السؤال:
شاب تزوج فتاة ، إلا أنها فی بیت أبیها ، ولم یتم البناء بها ، وأعطی والدها مهرها كاملا حسب العادات ، والتقالید الرائجة في المنطقة ، إلا أن الفتاة وقعت في الزنا ، وحملت من الزنا ، وأقيم الحد الشرعی علیها ، وعلی من زنا بها ، وهو مائة جلدة بنص القرآن الكریم ، وتغریب عام بالسنة النبویة ، ثم فرقنا بینها وبین زوجها ، وحکمنا باسترداد جمیع مهرها الذی أخذه أبوها ، واستدللنا علی هذا بحدیث أبي داود ، الذی أخرجه فی باب النکاح : حیت أمر النبی صلی الله علیه وسلم بالمرأة الحبلى من الزنا بجلد مائة ، و قال : ( لها الصداق بما استحللت من فرجها ) ، وفرق بینهما ؛ وهنا : لم یستفد الزوج من فرج امرأته قط . وسؤا‌لنا : هل نحن أصبنا فی حکمنا با‌سترداد جمیع الصداق الذی أخذه أبوها باسم بنته ، وقلنا لیس لها مهر لظاهر الحدیث المذکور أعلاه ؟
الجواب : 
الحمد لله
أولا : 
إذا زنت المرأة قبل الدخول فإنها تعامل معاملة البكر في الحد ؛ لأن الإحصان الذي يوجب الرجم لا يحصل بمجرد عقد النكاح ولو حصلت مع العقد الخلوة ، بل لابد من الوطء في القبل ,
وحَدُّ المرأة غير المحصنة إذا زنت : هو أن تجلد مائة جلدة ؛ والأصل في هذا قوله سبحانه : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) النور /2 .
ويزاد على ذلك تغريب عام , وهذا ثابت بالسنة المطهرة ؛ فعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( خذوا عني ، خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا ، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ) أخرجه مسلم (1690) , وأبو داود (4415) , والترمذي (1434). 
وهذا ما عليه جمهور أهل العلم ، وإن خالف فيه بعضهم , وقد حكى ابن قدامة رحمه الله الخلاف في ذلك ، وذكر حجة من قال بعدم تغريب المرأة ، فقال : 
" ويجب مع الجلد تغريبه ( الزاني ) عامًا ، في قول جمهور العلماء ، روي ذلك عن الخلفاء الراشدين . وبه قال أبي ، وابن مسعود ، وابن عمر - رضي الله عنهم - وإليه ذهب عطاء ، وطاوس، والثوري، وابن أبي ليلى، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور.
وقال مالك، والأوزاعي : يغرَّب الرجل دون المرأة ؛ لأن المرأة تحتاج إلى حفظ وصيانة ، ولأنها لا تخلو من التغريب بمحرم أو بغير محرم ، لا يجوز التغريب بغير محرم ؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر ، أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم ) , ولأن تغريبها بغير محرم إغراء لها بالفجور ، وتضييع لها ، وإن غربت بمحرم أفضى إلى تغريب من ليس بزان ، ونفي من لا ذنب له ، وإن كلفت أجرته ، ففي ذلك زيادة على عقوبتها بما لم يرد الشرع به " انتهى من " المغني " (9 / 43) .
والراجح في هذه المسألة أن المرأة تغرَّب إذا وجد معها محرم ؛ لأن أحاديث التغريب عامة في كل زان , رجلا كان أو امرأة . 
قال النووي في شرحه لحديث عبادة السابق : " وأما قوله صلى الله عليه وسلم في البكر " ونفي سنة " ففيه حجة للشافعي والجماهير : أنه يجب نفيه سنة ، رجلا كان أو امرأة " انتهى من " شرح النووي على مسلم " (11 / 189).
أما إذا لم يوجد معها محرم فلا تغرَّب ؛ لأن تغريبها حينئذ إغراء لها بالفاحشة , وتحريض لها على الانحراف . 
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " فتُغرب لمدة سنة ، ويشترط أن يوجد لها محرم ، وأن تغرب إلى مكان آمن ، وفقهاء المذاهب يرون أنها تغرب ، ولو بدون محرم .
والقول الثاني وهو الأصح : أنها لا تغرب إذا كانت وحدها ؛ لأن المقصود من تغريبها إبعادها عن الفتنة ، وإذا غربناها وحدها كان ذلك أدعى للفتنة والشر؛ لأنه ليس معها أحد يردعها ، ولأنها إذا غربت بدون محرم - ولا سيما إن احتاجت إلى المال - فربما تبيع عرضها ؛ لأجل أن تأكل وتشرب .
والصواب : أنه إذا لم يوجد محرم : فلا يجوز أن تغرب ، ولكن ماذا نصنع ؟ يقول بعض أهل العلم: تخرج إلى بلد قريب لا يبلغ مسافة القصر ، ويُؤمر وليها بملاحظتها ، والصحيح أنه لا داعي لذلك، وأنها تبقى في البلد .
وقيل : تُحبس في مكان آمن ، والحبس هنا يقوم مقام التغريب ؛ لأنها لن تتصل بأحد ، ولن يتصل بها أحد ، وهذا القول وجيه " انتهى من " الشرح الممتع على زاد المستقنع " (14 / 237).
ثانيا : 
لا يلزم التفريق بين المرأة التي زنت وبين زوجها , سواء أزنت قبل الدخول أم بعده ؛ لأن الزواج لا يفسد بالزنا , قال ابن قدامة رحمه الله : " وإن زنت امرأة رجل , أو زنى زوجها , لم ينفسخ النكاح , سواء كان قبل الدخول أو بعده , في قول عامة أهل العلم " انتهى من "المغني" (9/565) . 
ثالثا:
إذا اختار الزوج فراق زوجته التي زنت قبل الدخول : فعليه أن يطلقها , وإذا طلقها فإنها تستحق نصف المهر المسمى ؛ لقوله تعالى : ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ) البقرة/237 .
ويجوز لزوجها أن يعضُلَها ؛ بأن يمتنع من طلاقها ، ومن الدخول بها حتى تفتدي منه بمال ؛ لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) النساء/19 .
فالفاحشة المبينة المذكورة في الآية هي الزنا .
والله أعلم.