يستفسر منها زوجها عما يضايقها فهل يجوز لها أن تكذب حتى لا تحصل مشكلة ؟

السؤال:
يجب علينا كمسلمين تحري الصدق ، لكن يبقى السؤال : فهل هذا في كل الأوقات ؟ فزوجي مثلاً يسألني في بعض الأحيان عن ما يضايقني أو ما الذي أريده أو ما الذي لا أريده ، فأفضّل عدم البوح والشكوى ؛ لأني إن فعلت فقد يغضب ، وقد يزداد الأمر سوءاً، أو ربما يتعسر عليه فهم مشاعري ، وفي المحصلة العامة يؤثر هذا كله سلباً على زواجنا، وأنا أقول هذا عن تجربة ، فقد سبق وأخبرته عدة مرات فثار خلاف بيننا تمنيت بعده أني لم أخبره بشيء .
إذا سؤالي هو : إذا سألني مستفسراً عن ماذا يزعجني ، وأعتقد اعتقاداً جازماً أن الإجابة ستثير المشاكل ، فهل أجيبه أم لا ؟
الجواب :
الحمد لله 
معلوم أن الكذب محرم لا يجوز ، ولكن روى مسلم (4717) عن أُمِّ كُلْثُومٍ رضي الله عنها قالت : سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ وَيَقُولُ خَيْرًا ، وَيَنْمِي خَيْرًا ) ، وَقَالَتْ : " وَلَمْ أَسْمَعْهُ يُرَخِّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ : الْحَرْبُ ، وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ ، وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ ، وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا " .
وقد اختلف العلماء في معنى الكذب الذي رخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ، فذهب بعض العلماء إلى أنه المعاريض ، وهو أن يقول المتكلم كلاما محتملا ، فيفهم المخاطَب غير ما يقصده المتكلم ، وذهب آخرون من العلماء إلى أن المقصود به الكذب الصريح ، وهذا القول الثاني هو الأقرب لظاهر الحديث . 
فقد أباح الرسول صلى الله عليه وسلم الكذب في هذه الثلاثة لما يترتب عليه من مصلحة ، ويندفع به من مفسدة .
فالكذب المباح بين الزوجين هو ما كان كذلك ، تحقق به مصلحة تتعلق بالعشرة بينهما ، كالألفة والمودة والمحبة ، وتندفع به بعض الخصومات والنزاعات بينهما . 
ولكن بشرط أن لا يكون فيه ظلم للطرف الآخر ، ولا تعدٍّ على حقوقه ، ولذلك قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
"اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْكَذِبِ فِي حَقّ الْمَرْأَة وَالرَّجُل : إِنَّمَا هُوَ فِيمَا لَا يُسْقِط حَقًّا عَلَيْهِ ، أَوْ عَلَيْهَا ، أَوْ أَخْذ مَا لَيْسَ لَهُ ، أَوْ لَهَا " انتهى .
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : 
ما حكم الشرع في نظركم في كذب أحد الزوجين على الآخر ، إذا كان فيه مصلحة لهذه الأسرة ؟
فذكر حديث أم كلثوم رضي الله عنها المتقدم ، ثم قال : " فالنبي صلى الله عليه وسلم رخص بكذب الرجل على امرأته ، والمرأة على زوجها ، إذا كان فيه إصلاح ، إذا كان لا يضر أحداً ، بل ينفع ولا يضر، إذا كذب عليها لمصلحة تتعلق بها وبأهلها ، أو كذبت عليه لمصلحة تتعلق به وبأهله ، لا تضر أحداً : هذا طيب لا بأس به ، تقول: أهلي يحبونك ويثنون عليك ...... ويثنون على خدماتك لهم حتى تشجعه ، طيب ، وهو يقول لها كذلك : أني سوف لا أتزوج عليك ، وسوف أجتهد فيما ينفعك ، وسوف أوصي أهلي بك خيراً . بكلماتٍ تنفعها وتسرها " انتهى .
http://www.binbaz.org.sa/mat/9541
وقال الشّيخ ابن عثيمين رحمه الله في " شرح رياض الصالحين " (1/ 1790) : 
" كذلك من المصلحة : حديث الرجل زوجته ، وحديث المرأة زوجها فيما يوجب الألفة والمودّة ، مثل أن يقول لها : أنت عندي غالية ، وأنت أحبّ إليّ من سائر النساء ، وما أشبه ذلك ، وإن كان كاذبًا ، لكن من أجل إلقاء المودّة ، والمصلحة تقتضي هذا " انتهى .
وسئل علماء اللجنة الدائمة عن امرأة تضطر أحيانا للكذب على زوجها .
فأجابوا : " أما الكذب عليه : فلا بأس به ؛ إذا كان ذلك يترتب عليه مصلحة ، ولا يضر أحدا ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للزوجين في كذب كل واحد منهما على الآخر ، فيما يتعلق بمصلحتهما، ولا يضر غيرهما . وبالله التوفيق" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: 
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن قعود .
انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة " (19/170) .
والحاصل: 
أنك إن استطعت أن تستعملي التورية والمعاريض فهو أفضل ، وإن رأيت أنه لابد من الكذب فلا حرج عليك إن شاء الله تعالى .
قال القرطبي في " المفهم" : 
"فهذه الأحاديث قد أفادت : أن الكذب كله محرم لا يحل منه شيء ، إلا هذه الثلاثة ، فإنَّه رخص فيها لما يحصل بذلك من المصالح ، ويندفع به من المفاسد ، والأولى : ألا يكذب في هذه الثلاثة إذا وجد عنه مندوحة ، فإنَّ لم توجد المندوحة أُعملت الرخصة " انتهى .
والله أعلم .